الضغط الواقع على الإيجابيّة

ضغط الواقع على الإيجابيّة

 

     قدّم المحاضرة الدّكتور ناصر سليمان والمُعالِجة النّفسيّة العنود محمّد، وذكرا أنّهما ضدّ الإيجابيّة بالمعنى المُتداوَل، وأنّ الإيجابيّة بالنّسبة إليهما تعني القدرة على التّخلُّص من المشاعر السّلبيّة، ولا يكون ذلك في رأيهما إلا إذا قام الإنسان بإجراء حوار شفّاف مع ذاته بغية فهم المشكلة الّتي يعاني منها، واستيعابها، واتّخاذ الخطوة المناسبة التي تمكِّنه من التّخلُّص منها، وفي رأيهما أنّ القيام بتحريك الجسد في وضعيّة مغايرة لوضعيّته السّاكنة التي ألِفَها يمكن أن يساعد في تغيير آليّة تفكيرنا، والتّخلّص من الشّحنة السّلبيّة التي نحملها.

     كما أنّ كلّ إنسان يحمل في جسده شحنات سلبيّة وإيجابيّة، وما لم يفهم ذاته على نحْوٍ حسَن، ويستوعب ما يتلبّسه من حالة عاطفيّة لن يستطيع التحرُّر من المشاعر السّلبيّة التي يحملها، وذلك لا يحدث في رأيهما إلا إذا استطاع الإنسان التّحكُّم بعقله الواعي، وحاكم ذاته، واستطاع قتل مشاكله فهماً، وأحسنَ تحليلَها، واستطاع الإمساكَ بالحلّ الذي يساعده على التّحرُّر ممّا هو فيه.

     وبعض الناس، في رأيهما، لا يستطيعون الخلاص من المشاكل التي يواجهونها في حاضرهم؛ ولا يستطيعون الانفكاك من إسار الماضي؛ لأنّه يضغط عليهم، ويحاصرهم بشكل دائم، ويجعلهم يعيشون حالة عاطفيّة لا يُحسنون الخلاص من تأثيرها، وفي رأيهما أيضاً أنّ الاكتئاب يعود إلى خلل في علاقة الإنسان مع ذاته، ومع السّياق الاجتماعيّ الذي يتحرّك ضمنه، وما لم يكن الإنسان صريحاً مع طبيبه النّفسيّ، وكشف له بوضوح عمّا يفكّر فيه، ويعاني منه فلن يستطيع تخليصه من معاناته، ومساعدته على التّحرُّر من مشاعره السّلبيّة.

    وفي رأيهما أنّ بعض النّاس يرون أنّ مشاكلهم يمكن أن تُحَلَّ بالعزلة عن الآخرين، والاعتكاف في مكان مقطوع عن البشر... إلا أنّ ذلك كلّه لا يمكن أن يُجدِي ما لم يحاور الإنسان ذاته، ويعثر على السّبب الذي أوصله إلى الاكتئاب، وجعله يعي آليّة تعاطيه مع مشاكله، والعثور على الدّواء المناسب لها .

    وفي رأيهما أيضاً أنّ العلاج النّاجع لبعض الأمراض قد لا يتحقّق بالعثور على دواء؛ ذلك أنّ بعض المشاكل قد لا تُحلُّ بالعثور عليه، بل تحتاج إلى تغيير في طريقة التّفكير، وليس من واجب الآباء حلُّ مشاكل أبنائهم، فذلك يمكن أن يزيدها تعقيداً، والأجدى، في رأيهما، أن يعلّموا أبناءهم مواجهة مشاكلهم بأنفسهم، ومساعدتهم على إثارة حوار حولها بغية فهمهما، واكتشاف الحلّ المناسب لها، لأنّ احترامَ عقل الطّفل، وتركَه يواجه مشاكله بنفسه هما السّبيل في رأيهما لبناء جيل معافى ومتوازن.

    إنّ الطفل في رأيهما  في أمسّ الحاجة إلى أن نُنصِت إليه، ونُعامِله باحترام، وننظر إلى العالم بعينيه، ونساعده على أن ينضج، وما لم نفعل ذلك سيبقى إنساناً متواكلا يحتاج إلى عكّاز اجتماعيّ دائم يعتمد عليه للاستمرار في حياته، ولن يستطيع اكتساب شخصيّة مستقّلة تساعده على أن يكون عضواً فاعلا في بنية اجتماعية سليمة ما لم يحدث ذلك.